تسعى الحركة النسوية (Feminism) التي ظهرت كردِّ فعل على التمييز ضد المرأة في الغرب، إلى إزالة الفوارق بين الجنسين، والتوسع في مكتسبات المرأة دون الرجل، بدعوى المساواة وتحقيق العدالة في المجتمع. وتتراوح تلك التوجهات ما بين المطالبة بحقوق إضافية، إلى تغييرات أعمق في بنية المجتمع والمفاهيم حول أدوار النوعين. ظهرت الحركة في مطلع القرن التاسع عشر، إثر التحوّلات السياسية والاجتماعية التي مرت بها أوربا بعد عصر التنوير واندلاع الثورة الفرنسية.
وقد مرت «النسوية» بأربع مراحل، اتُفق على تسميتها «موجات»؛ ركّزت الموجة الأولى على حق المرأة في التصويت والتعليم والحقوق القانونية. وتمحورت الموجة الثانية (في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي) حول حقوق المرأة في العمل، والإجهاض، والمساواة في الفرص. وتضمنت الموجة الثالثة (في التسعينيات) قضايا العنف ضد المرأة، والهوية الجنسية، والمساواة للشاذّين. أما الموجة الرابعة (في وقتنا الحالي) فتعالج ما يتعلق بالتحديات التي تعيق تحقيق أهداف الحركة في ظل العالم الرقمي والوسائط الاجتماعية.
وانتقلت أفكار «النسوية» إلى عالمنا العربي في مطلع القرن العشرين، وبعد الاستقلال برزت حركات نسوية جريئة تطالب بإعادة النظر في العُرف السائد والنصوص الدينية، غذّتها الأنظمة السياسية حينذاك، ولا يزال لبعضها صوت ودعاة على وسائل التواصل الاجتماعي.
أهم أفكار النسوية
الحركة النسوية ليست مجرد دعوة لمساواة النساء بالرجال، بل انقلاب على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وإزالة الكثير من القيم والهياكل الاجتماعية والدينية. ومن أهم هذه الأفكار:
* تفكيك النظام الأبوي، بتفكيك القوانين والممارسات التي تدعم حق الرجال في الوصاية والإرث والحقوق المدنية، وتكريس تغيير جذري، ثقافي ومجتمعي وسياسي، يطال البنى الأسرية والتعليمية.
* تفكيك أنوثة المرأة، برفض حصر الأنوثة في معايير مثل الرقة واللطف والخضوع والجمال الجسدي، والحرية في التعبير عن الهوية الجنسية (الشذوذ)، تحت شعار: “كوني كما تريدين، وليس كما يتوقع منك المجتمع”.
* نزع لباس المرأة، بدعوى ترك الخيار للمرأة، ومنع فرض ملابس عليها بناء على معايير ذكورية، مثل الحشمة، أو حتى اتباع معتقد ديني، ورفض تبرير التحرش بالمرأة بناء على لباسها.
* رفض الأمومة، حيث تستنكر النسوية اعتبار الأمومة واجبًا إلزاميًّا، وتدعو إلى وجوب مشاركة الرجل للمرأة بالتساوي في تربية الأطفال، وترى أن الإنجاب والأمومة خيار وليس فرضًا اجتماعيًّا أو دينيًّا أو ثقافيًّا.
* حق المرأة في التحكم في جسدها؛ بما في ذلك العلاقات العاطفية والجنسية، أو حتى الشذوذ والتحول الجنسي، ومكافحة ما أسموه «الاغتصاب الزوجي»، وهناك تيارات نسوية ترفض فكرة الزواج من الأساس.
* تمكين المرأة في سوق العمل؛ بالدعوة للخروج من البيت وعدم الاعتماد على الرجل، دون أية قيود مجتمعية أو قانونية تمنعها من ذلك، وألا يقتصر طموح المرأة على رعاية الزوج والحمل وتربية الأطفال.
نتائج الفكر النسوي على الأسرة المسلمة
أحدثت الأفكار النسوية تأثيرات معقدة على الأسرة المسلمة، أدّت إلى تحديات قيمية واجتماعية تركز على دور المرأة في الأسرة كزوجة وأم، وعلى دور الرجل كزوج وأب؛ ففكرة المساواة التامة التي تطرحها «النسوية» دون النظر لخصائص كل نوع تحدث اختلالًا كبيرًا في الأدوار، وصراعًا يفضي إلى عدم استقرار الأسرة. وإذا كانت «النسوية» لا تفتأ تحرض المرأة على اتخاذ قراراتها منفردة، فقد ضاعف ذلك معدلات الطلاق، وعزّز صراع الهوية الدينية والثقافية في داخل المرأة، كما أشعل التوترات داخل المجتمع.
وإذا كان الإسلام يعتز بدور المرأة في تربية الأطفال، ويعتبر ذلك واجبًا أساسيًّا، باعتبار الأسرة السوية لبنة صالحة في بناء المجتمع، فإن أفكار النسوية في هذا الجانب تنسف هذا الواجب، وتهدد السلم المجتمعي، بتشجيعها المرأة على تحقيق الذات ورفض القوامة، وتقديم التعليم والعمل على رعاية أسرتها. لقد أوجدت «النسوية» حالة من عدم التناغم بين الرجل والمرأة، وولّدت ضغوطًا على المرأة ذاتها ألقت بظلالها القاتمة على أسرتها.
موقف الإسلام من النسوية
تُناقض «النسوية» مبدأ العبودية لله، والاستسلام لشرعه، والانقياد له بالطاعة فيما أمر ونهى، قال تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ )الأنعام: 162(، فهي -من ثمَّ- تمرد على دين الله، ودعوة بالاحتكام لغير ما أنزل. والإسلام يرفض المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، للاختلافات الجسدية والنفسية والعقلية التي بينهما، والتي فطرهما الله تعالى عليها؛ }أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{ )الملك: 14(. والإسلام يشدد على التعاون بين الزوجين وليس التنافس بينهما، ويرفض أي مطالبات تتعارض مع ضوابط شريعته، مثل حرية اللباس، أو التحرر من القيم الدينية. والإسلام يعطي القوامة للرجل في إدارة الأسرة، وهذا يتنافى مع مفهوم القيادة عند «النسويين».
والخلاصة: الإسلام لا يعترف بأفكار «النسوية» المتطرفة والشاذة، كما لا يوجد به تطوير أو تغيير للأحكام الشرعية، وقد أعطى المرأة حقوقًا شاملة، وأولاها مكانة رفيعة في الأسرة والمجتمع؛ فأعطاها الحق في الحياة والحرية والكرامة الإنسانية، وفي الحماية من الظلم والعنف، وجعل لها حقًّا في التعليم، وفي التملك والعمل والكسب، وفي الميراث، وفي اختيار الزوج، وفي الحمل والإنجاب، وفي الطلاق، وفي المشاركة في الشئون العامة؛ وهذا كله في ظل توازن الأدوار بينها وبين الرجل من دون التحريش وإيقاع الفتنة بينهما.
ولمواجهة الأفكار «النسوية» السامة يجب:
* التوعية بخطر هذه الأفكار المحاربة لعقيدتنا وقيمنا وأخلاقنا، وعدم الانخداع بشعاراتها البراقة، والتحذير من أخطارها على الأسرة والمجتمع.
* على الجميع تبني مقاربة متوازنة للتوعية بالحقوق التي منحها الإسلام للمرأة؛ بما يعزز دور الأسرة كمؤسسة مستقرة قائمة على احترام الأدوار التقليدية لكلا الزوجين.
* إعداد الشباب للزواج وتكوين الأسرة المسلمة بشكله الصحيح، وفقًا لقيمنا الإسلامية القائمة على العدل والمساواة، والرفق واللين، والمودة والرحمة، ودعم الضعيفين (المرأة والطفل).
______________________
** المصدر: موقع مجلة المجتمع، 12/4/2025.