الفتاة التي تترك الدراسة من أجل الزواج.. هل اختيارها صحيح؟
لا ينفك هذا السؤال عن الظهور في منشورات الفيس بوك ومجموعاته، ولا أعلم صراحة الغرض من هذا السؤال الخاطئ في ذاته، والذي لا يصح ابتداء.
فالزواج رزق من الله سبحانه وتعالى، ونصيب قدره لعباده، فربما يأتي الشخص المناسب للزواج وربما لا يأتي، ومثلما لا يصح أن توصم الفتاة بأن قطار الزواج فاتها؛ لأنه لا دخل لها بذلك، إلا إن كانت رافضة للزواج تكبرًا منها وعجبًا بنفسها، كذلك لا يصح أن يُستنكر الزواج على من تتزوج إن جاءها الشخص المناسب.
والإسلام حث على تعجيل الزواج، وشجع على التيسير له، ومساعدة شباب المسلمين على الزواج، وقد يكون حكمه واجبًا أو مستحبًا أو مكروهًا، بحسب كل حالة وظروفها.
وهو للفتاة أوجب إن جاءها الرجل الكفء المناسب صاحب الدين والخلق، ويفضل أن تشجع الفتاة على الزواج إن كان الرجل مناسبًا لها، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ” (رواه الترمذي).
بين الدراسة والزواج
وبالعودة للسؤال، فالسؤال يفترض أن الدراسة أهم من الزواج، ويعتبرها أمر مسلم لا نقاش فيه، وهذا التسليم نتج عن تشويه مفهوم الزواج بشكل كبير، وربط الحياة بأهداف مادية.
كما نتج هذا عن فكرة خاطئة، مفادها أن الزواج يشبه المقبرة للفتاة، تُدفن فيه طموحاتها وأحلامها، فلا يمكن أن تجمع بين الدراسة والزواج، أو بين العلم والتعلم والثقافة وبين الزواج، وكأنهما متنافران لا يجتمعان، بل كم من زواج كان للفتاة بداية طريق للعلم والطموح والتغيير الإيجابي، ولنا في عائشة رضي الله عنها خير مثال، فقد كانت من أعلم النساء، وقد عَلَّمت النساء والرجال من علمها الذي نهلته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما أن حصر الدراسة والعلم بالمدرسة والتحصيل الأكاديمي فكرة خاطئة أيضًا، فالعلم أكبر وأوسع من ذلك، فعلم الجامعات لا يعطيك إلا مفاتيح العلوم.
ثم يأتي دور التصور الخطأ الأخير الذي يستخدم خلاله لغة التخويف دائمًا، بأن الشهادة هي قوة الفتاة، وهي من ستنقذها من غدر الزمان وغدر زوجها، والواقع أعقد وأصعب من ذلك، وهذا ما نشهده.
وهذا الكلام ليس لرفض العلم أو لرفض تعلم مهنة معينة، بل هو نقد لطريقة الخطاب نفسه الذي يقف عقبة في طريق الفتيات والشباب للزواج، ثم في إقناع الفتاة أن الشهادة والاستقلال المادي وغيره هو من سيحميها، إلّا أن الحماية والرزق من الله سبحانه، وبالالتزام بشرعه وأوامره، فهو المعين والناصر، ولا حول ولا قوة إلا به، والإنسان مأمور بالأخذ بالأسباب، ولكن لا يجب أن تتحول الأسباب لهدف بذاتها، فيصبح اللهث وراءها على حساب الإيمان والدين والعرض.
وهذه دعوة إلى النظر في الأمور بعقلانية أكثر، وبقراءة متعمقة للواقع، وبالتخلي عن أصنام جديدة كالقوالب الفاسدة الجاهزة والتقاليد والأعراف إن تعارضت مع شرع الله، الذي ما إن تعارضت معه كان بدوره تعارضًا مع مصلحة الفتاة.
ومن يدّعون تحرير المرأة يريدون تحريرها من منظومة الزواج وعبودية الزوج وربط حياتها به كما يزعمون، إلى التذلل لمعبود آخر، وهو الشهادة والمال والوظيفة. وكلاهما منبوذ، فالمرأة عبوديتها لله سبحانه وتعالى، تأتمر بأمره وتجتنب نواهيه.
ولماذا لا يكون السؤال: هل تفضيل الفتاة للدراسة والعمل -والتحقيق المتوهم لذاتها- على الزواج من رجل مناسب -حسن الخلق والدين- اختيار صحيح؟
** المصدر: موقع هوية بريس،25/4/2022، بتصرف.