الأسرة لدينا هي الحصن الحصين للطفل، فهي التي تتكفل بتربيته وتعليمه وتهذيبه وتنشئته، وإكسابه منظومة القيم النبيلة بحب فطري وحنان طبيعي غير متكلف، وبحرص أبوي عميق وبلطف أمومة ليس له مثيل، وليس هناك قوة في الأرض تستطيع تعويض الطفل عن حنان أمه وأبيه؛ ولذلك لا يمكن صيانة حقوق الطفل وحفظ كرامته على الوجه الأمثل كما تصونها وتحفظها الأسرة.
إن الذين يسعون إلى تفكيك الأسرة أو الطعن في قدسية الرابط العقدي بين الزوج والزوجة، أو البحث عن تسهيل العلاقات غير المشروعة بين الجنسين، وإقامة الكيانات البديلة أو شرعنة ما يناقض فطرة الله التي فطر الناس عليها، يكذبون ويخادعون أنفسهم ومجتمعهم في هذه المسألة قطعًا، مهما كان التظاهر بتنميق الكلمات واستبدال المصطلحات.
ليس هناك مجتمع غربي أو شرقي يرقى إلى مستوى البناء الأسري لدينا، وليس هناك ما يماثل تماسك الأسرة كما هو لدينا، وليس هناك مجتمع على وجه الأرض يقدم ما تقدمه الأسر والمجتمعات العربية والإسلامية لأطفالها وأبنائها من حنان وعطف وخدمة وحرص.
نحن يا جماعة الخير نؤثر أبناءنا على أنفسنا في كل شيء، يبيع الأب أملاكه وكل ما بحوزته من أجل تعليم ابنه في أفضل الجامعات، ويُفني عمره في رعاية أبنائه، ويقطع اللقمة عن فمه ليضعها في فم ابنه أو ابنته. والأم تُفني عمرها وثمرة شبابها وتحرم نفسها من الراحة والأكل واللباس من أجل أن ترى أبناءها سعداء، وأن لا تقل فرصتهم في التعليم والعيش عن فرص أقرانهم.
الأسرة لدينا لا تطرد الابن أو البنت عندما يصل إلى سن الثامنة عشرة، بل يبقى في رعايتها حتى بعد الزواج، ويبقى همهم في رقبته إلى الممات.
ويجب عدم القياس على بعض الحالات الشاذة التي لا تمثل ظاهرة، وإن كانت تستحق العلاج.
ضوابط مراعاة حقوق الطفل
وإذا أردنا أن نظهر الحرص على حقوق الطفل، فينبغي أن يظهر هذا القصد من خلال الحرص على بناء الأسرة واستقرارها، والابتعاد عن كل ما يزعزع أركانها وأسسهها وقدسيتها، وإدامة الحب والرحمة والمودة والاحترام والتعاون بين الزوجين، ويجب الابتعاد عن كل ما يفسد الأسرة، ويجب الضرب بيد من حديد على كل يد تسعى إلى تفكيك الأسرة، وزعزعة استقرارها، وهدم منظومة القيم لدى الأجيال، يجب الضرب على كل يد تسعى إلى إشاعة ونشر تقليد المجتمعات المفككة، والتي تشيع فيها الفاحشة وتصادم نواميس الكون.
ليس هناك جدال حول ضرورة تأهيل الزوجين المبتدئين على مهارة تربية الأبناء، ومهارة العناية بمؤسسة الأسرة، وديمومة العلاقة الرحيمة والراقية بينهما. ولا جدال حول ضرورة العناية بفاقدي الدعم الأسري، وتقديم العون لهم بكل السبل المتاحة، وكذلك العناية بأطفال التسول وضحايا الأسر المفككة، وضرورة إنقاذهم من براثن الاستغلال، والحيلولة دون وقوعهم في قبضة العصابات الشريرة، وتقديم العون للأسر الفقيرة والمشردة، وكذلك مجتمعات اللجوء، فهذا ليس محلاً للخلاف ولا النقاش.
لكن يجب الحذر من ضرب العلاقة بين الابن وأبيه، والحذر من كل ما من شأنه إضعاف قدرة الأبوين على تنشئة أبنائهم، وكل ما من شأنه إشاعة روح التمرد لدى الأطفال على أولياء أمورهم، والذي ينتج عن التدخل المتعسف في هذه العلاقة الفطرية السليمة، كما ليس من المعقول أن تُنزع صلاحية الأبوين عن مراقبة سلوك أبنائهم قبل أن يقعوا في مصائد الأشرار أو المستغلين تحت باب احترام الحياة الخاصة للطفل.
نحن معنيون بعدم تعرض الأبناء للإيذاء أو الضرب المبرح من أي طرف، مهما كانت درجة القرابة، فهذا الأمر محل اتفاق؛ ولذلك يجب الاتفاق أولاً على الصياغات المحكمة التي تخلو من الثغرات القاتلة، والتي تسمح بالاجتهاد المتعسف، أو تؤدي إلى انقلاب المعنى، وكذلك وقف كل ما يصادم معتقدات المجتمع وثقافته ومنظومته القيمية الراسخة والغالبة.
** المصدر: صفحة “رحيل غرايبة” بالفيسبوك، 9/8/2022، بتصرف.