بمجرد أن أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية قرارها الفيدرالي بإلغاء دستورية الإجهاض للنساء، وهو ما يترتب عليه حظر إجهاض الأجنة ذات القلوب النابضة بالحياة في معظم الولايات الأمريكية، حتى استشعرت الشركات الرأسمالية الكبرى الخطر المحدق بأعمالها، وبادرت بإصدار مراسلات ومذكرات داخلية تبدي الأسف على هذا القرار، وتعد بمساندة حقوق الموظفات (أو الموظفين المتحولين جنسيًا).
فبحسب ما نشرت صحيفة نيويورك تايمز، بدأ تحرك غير مسبوق في مجموعة قليلة من الشركات الكبيرة من مثل ستارباكس، تسلا، مايكروسوفت، نتفلكس، أمازون، جي بي مورجان، ثم تبعتها شركات مثل ديزني، ميتا، وارنر بروذرز، نايكي، جوجل، وغيرها كثير من الشركات العملاقة.
ويمكن القول أن تكاتف هذه القوى المجتمعة يكاد يخلص -على سبيل المثال- معظم سكان ولاية أوهايو من تبعات تجريم الإجهاض، وذلك من خلال توسيع سياسات الشركات الخاصة بتأمين صحة التناسل، وتغطية تكاليفها لدى موظفيها، لتشمل السفر إلى ولاية أخرى في حال لم يتوفر مركز خدمات مرخص في نطاق 50 إلى 100 ميل حول منزل الموظف أو من تشملهم بوليصة التأمين من ذوي الموظف.
وهذه بعض الإفادات لهذه الشركات، والتي تبرر فيها تعديل سياستها:
* أعلنت ستاربكس لموظفيها: “لا يهم ما تؤمن به، ولا يهم أين تقيم، المهم تغطيتك بالرعاية الصحية”.
* صرحت شركة أوبن سي بأنها “تريد للنساء ومن لديهم أعضاء تناسل أنثوية الخيار الأفضل، الذي يحمي صحتهم وطموحاتهم في المستقبل”!
* كتب المدير التنفيذي لشركة ڤوكس للوسائط الإعلامية في مذكرة داخلية “أن هذا القرار يضع العوائل والمجتمعات والاقتصاد في خطر، ويهدد المكاسب التي حققتها المرأة في مكان العمل على مدى السنوات الخمسين الماضية”.
* نشرت محلات إتش أند إم للملابس “إن دعمنا لرعاية صحة الإنجاب الشاملة ليست فقط محورية لاستمرار قيادة المرأة للقوى العاملة، بل هو أيضًا مهم جدًا لالتزامنا بالمساواة الكاملة بين الأجناس الجندرية وتكافؤ الفرص في العمل”.
* أما شركتا أوبر وليفت، فلم تكتفيا بتعديل سياسة التأمين الصحي، بل وسعتا التغطية القانونية للسائقين، حيث وعدتا بتحمل غرامات السائقين في حال تعرضهم للمساءلة القانونية عند توصيل الزبائن الراغبين بالوصول لمركز خدمات صحية للإجهاض.
* تقول رئيسة العمليات التنفيذية في شركة سيفي تيك “الدعم منطقي من ناحية تجارية، لا يوجد سبب يجعلنا نضع موظفينا في موقف يضطرهم للاختيار بين الاحتفاظ بوظيفتهم أو أخذ العبء في حمل غير مرغوب فيه”.
لماذا هذا الدعم؟
لا يغرنك المسميات والتبريرات، هدف هذا التكالب هو الحفاظ على رأس المال وتنميته، حتى لو كان الثمن قتل نفس بريئة داخل الرحم وهي لم تر النور بعد!
وبالنسبة لهذه الشركات، فتكلفة السفر والإجهاض ليست بشيء أمام تكلفة رعاية حمل، وتوليد، وإجازة أمومة مدفوعة، وساعات رضاعة، وغيرها من تبعات الولادة والمتابعة وإضافة فرد جديد على بوليصة التأمين، ناهيك عن تسليم المسئوليات المؤقت وتدريب البدلاء وتحمل أخطائهم. ومن يدري بعد كل ذلك فقد تقرر الأم ترك العمل والبقاء مع مولودها. أليس من الأفضل لهذه الشركات تجنب كل هذا والتركيز على تحقيق طموحات المرأة في العمل؟!
هكذا يسوّقون لحماية أعمالهم، ويدّعون أنهم يقفون بجانبك ويحمون حقوقك.
لا أبلغ مما يحدث دليلاً على تحول قيادة الحركات النسوية في العمق إلى نيوليبرالية، مستخدمة العصا والجزرة لدعم الرأسمالية. ولا يبدو أن الأمر سيقف عند الإجهاض فقط كتحد من الشركات الرأسمالية للقوانين الدستورية الأمريكية، بل ربما يتعدى ذلك لحماية مصالح أعمالها في كل ما يستجد من تعديلات تطال رأس المال والعاملين عليه بشكل مباشر أو غير مباشر.
** المصدر: قناة “السبيل” بالتليجرام، 1/7/2022، بتصرف.