“يا الله، كم كانت الحياة بسيطة وسهلة في الزمن السابق، لما كانت أدوار الرجل والمرأة واضحة وبسيطة، الرجل يخرج للسعي والرزق، والمرأة تجلس في البيت للرعاية والأولاد”.. قلتها لصديقتي بصوت خفيض، وأنا أفكر في كل تلك الفيديوهات والرسائل والوسائل الإعلامية التي تتحدث عن يوم المرأة العالمي، والتي تحاول أن توصل للمرأة رسالة بأنها قوية، مستقلة، متمكنة، ليست بحاجة إلى أحد، والأهم أن بإمكانها فعل وتحقيق أي شيء.
نعم أصبحت الحياة معقدة للمرأة، فما بين مجلات الجمال وروابطها الالكترونية التي تروج عناوين مثل: (عشرة أشياء تجعل الرجل لا يقاومك)، (كيف تصبحين أجمل في خمس خطوات)، (بشرة شابة للأبد، وخصر نحيل أمد الدهر، وجمال ساحق يجعل الرجل عند قدميك)، والتي نتج عنها نساء لا هم لهن إلا النفخ والشد واللهاث خلف الموضة وعيادات التجميل، فتحولن إلى دمی جوفاء بلا عقل ولا روح. وما بين الحركات النسوية التي تشمر عن سواعدها مطالبة بالحقوق والمساواة والعدالة في الأجور ومجالات العمل، وتدعو المرأة للاستقلالية، وأنه لم يعد بإمكانها الاعتماد على الرجل أو أن تؤمن عليه حياتها، وربما حياة أطفالها. وأخيرًا انتشار حملات الدعوة لمحبة الذات، والانطلاق في الحياة، والتحرر من القيود الاجتماعية والأفكار الرجعية عن التبعية والانصياع والتضحية.
تحولت بعض النساء إلى رجال في تصرفاتهن وتحملهن للأعباء والمسؤوليات، بينما تحولت الأخريات إلى کائنات هلامية تعيش في عوالم الأوهام؛ لتستفيق فجأة متحسرة على ما فرطت فيه، وتائهة ما بين طبيعتها الفطرية وطبيعة مجتمعها، وما بين المتغيرات الحديثة.
في عام 2014، ألقت الممثلة البريطانية وسفيرة النوايا الحسنة للمرأة في منظمة الأمم المتحدة إيما تومسون خطابًا عن حملة (He for She هو من أجل هي)، قالت فيه: “كلما تحدثت عن النسوية، كلما أدركت أن الصراع من أجل حقوق المرأة أصبح مرادفًا لكره الرجال، وإن كان هناك شيء أنا متأكدة منه تمامًا الآن هو أن هذا الأمر يجب أن يتوقف”!
عزيزتي المرأة ما رأيك أن نضع الرجل جانبًا في هذا اليوم، ونتحدث ببساطة من امرأة إلى امرأة بكل صراحة وشفافية، دعي عنك كل هذه الحملات، وكل هذه التوجهات، وضعي يدك في يدي ولنغمض أعيننا ونستشعر احتياجاتنا الداخلية، لنعد التواصل مع ذواتنا وفطرتنا وحدسنا الأنثوي الذي غفلنا عنه، وأنستنا إياه انجرافات الحياة ومظاهرها ومتطلباتها التي لا تنتهي. نعم أنت أنثى، والأنثی مخلوق مفطور على الاحتواء، سواء احتواء طفل في رحمها، أو احتواء شعب في مسؤوليتها، فالمهارات المطلوبة للمهمتين هي نفسها.
دعي عنك الصور الحديثة المشوهة عن الأنوثة من مظاهر وتصرفات وإغواء، فما تلك إلا صور مشوهة لكائنات مكتئبة مهووسة بنفسها. فالأنوثة الحقيقية هي: سلام داخلي، تصالح مع الذات، عطاء وحنان، تفهم وتسامح، أسلوب وذكاء في التواصل.
نعم ادرسي ما تحبين، واعملي في ما ترغبين، وحققي طموحاتك، لكن افعلي ذلك لأنك تحبينه وترغبينه، وهو ما سخرك الله له، وليس محاولة لإثبات شيء أو منافسة مع الرجل أو تماشيًا مع توجه. اختاري نمط الحياة الذي يتماشى مع طبيعتك ورغباتك بغض النظر عن السائد أو التوجهات الحديثة. فإن قررت الزواج والتفرغ لبيتك وأولادك، فلا تسمحي لأحد أن يشعرك بأنك أقل، فتلك رسالتك، والتي لا تقل أهمية عن أي خيار حياتي آخر، وكوني من المناهضات لحملة المطالبة براتب شهري للأم المتفرغة من الحكومة، كما في بعض الدول مثل السويد، وتعديل القوانين في حال الانفصال، بحيث تؤمن مستقبلها.
عزيزتي المرأة، لنكن عونًا للمرأة، ولنقف بجانب بعضنا بالتمكين والتعليم والمساعدة، ولنكن عونًا للرجال، ولنأتلف معهم لنكون سكنًا لبعضنا، ونحقق لهم ولنا السعادة، التي تشرق بالتفاهم والسكينة والحب. والأهم لنكن عونًا لأنفسنا بأن نكون على حقيقتنا، وأن نتقي الله في خياراتنا ليكون العالم أجمل لنا جميعًا.
___________
** المصدر: موقع صحيفة مكة، 7/3/2018، بتصرف يسير.