عندما تُقدم قضايا المرأة كقضية إنسانية عالمية تعّبر عن جميع نساء العالم، وتلتزم قضاياهن من دون استثناءٍ، كما تفعل الأمم المتحدة في مؤتمراتها ومواثيقها؛ فهذا يعني أن قضية المرأة هي قضيةٌ مشتركةٌ ومتشابهة بين نساء العالم كافة، من دون أي اعتبارٍ للمؤثرات أو للخصوصيات الجغرافية والاجتماعية والثقافية. هذه النظرة تتعامل مع قضية المرأة وكأنها تتجاوز خصوصية الزمان والمكان (المجتمع).
فإذا كان الأمر كذلك فعلاً، فهذا يعني أن النظريات التي تقول بتأثير البيئة والمناخ والثقافة والدين والعادات والتقاليد على السلوك، وعلى القيم، وعلى الممارسات الاجتماعية، هي نظرياتٌ خاطئة، وتحتاج إلى إعادة النظر في علميتها!
ولو كان الأمر صحيحًا وكانت قضية المرأة واحدة على مستوى العالم؛ لكان من المتوقع أن تكون قضية المرأة في الصومال وفي الولايات المتحدة أو في أوروبا قضية واحدة، مثل قضايا النضال من أجل المساواة في الأجر، أو التحرر الجسدي، أو تطبيقات الجندر، والتصدي للهيمنة الذكورية، وتغيير عقلية المجتمع وثقافته المتخلفة… إلخ. وهذا بالتأكيد ليس واقع الحال.
ولو كانت هذه القضية واحدة عند كل النساء؛ لكان من المفترض أن تكون قضية المرأة في اليمن أو في البحرين أو في العراق أو في باكستان هي نفسها قضية المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية أو في فرنسا أو في بريطانيا، فهل يمكن القول بمثل هذا التشابه بين قضايا النساء في هذه البلدان؟!
دعوة تنافي الواقع
وهنا فإن الدعوة إلى جعل قضايا النساء قضية واحدة على مستوى العالم هي دعوةٌ تنافي الواقع، ولا يمكن الدفاع عنها، استناداً إلى أي أسس علمية، ولا حتى اجتماعية أو ثقافية، وذلك على الرغم من كل ما يمكن أن يقال خلاف ذلك، حتى لو صدر عن الأمم المتحدة ومواثيقها.
إن المرأة مثل أيّ إنسان آخر تعيش في مجتمعٍ يختلف في عاداته وثقافته وتقاليده وأنظمته وقوانينه عن المجتمعات الأخرى. وهي قد تتعرض للظلم والاضطهاد والتضييق على حريتها مثل الرجل، كما يحصل -على سبيل المثال- في المجتمعات الديكتاتورية أو الاستبدادية التي لا تميز (جندريًا) بين الرجل والمرأة. لا بل يمكن أن يكون الرجل أكثر عرضة للاضطهاد، وحتى إلى التضييق والاعتقال في مثل هذه المجتمعات.
هذا يؤكد أن قضية المرأة ليست واحدة، وستختلف من مجتمعٍ إلى آخرَ، كما ستختلف حتى في داخل المجتمع الواحد. فقد تكون قضية المرأة -على سبيل المثال- في بلد ما هي عدم توفر فرص حصولها على التعليم، أوعلى الرعاية الصحية، أو على الماء الصالح للشرب؛ لأسباب قد يكون لها علاقة بالفقر، أو بسوء السياسات التنموية، أوبالعدالة الاجتماعية، أكثر مما لها علاقة بالتمييز (الجندري). وقد تكون قضية النساء في مجتمع آخر هي المساواة في الأجر والوظيفة أو في حرية ارتداء الحجاب، كما هو الحال في بعض البلدان الأوروبية، أو في البطالة، أو في التمييز العنصري، وغير ذلك الكثير.
إن اعتبار قضية المرأة قضية واحدة يعني مثلاً أن على رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، والمرشحة الرئاسية السابقة في الولايات المتحدة هيلاري كلينتون، أن يسرن معًا في تظاهرات مشتركة مع نساء اليمن والعراق والصومال وموريتانيا للمطالبة بحقوق النساء!
فهل يمكن حتى أن نتخيل حصول مثل هذه المسيرة المشتركة؟ وهل تصح أصلاً مثل هذه المقارنة، بعيدًا عن طموحات وأولويات هؤلاء النساء في بلدانهن، ومن الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمعات التي تعيش فيها كل واحدة من هذه النماذج من النساء؟
إن مثل هذه الأسئلة يمكن أن تطرح أيضًا حتى على الفروقات بين النساء في البلدان العربية والإسلامية نفسها، فوضع المرأة في إيران -على سبيل المثال- يختلف كثيرًا عن وضعها في السعودية، من حيث المشاركة والحضور في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كذلك الأمر بالنسبة إلى وضع المرأة في تونس، أو في لبنان، مقارنة مع وضعها في بلدان عربية أخرى. ولا تقتصر هذه الفروقات على النساء وحدهن، فهي كذلك بين الرجال أيضًا.
لذا فإن قضية النساء ليست واحدة. هذه نقطة انطلاق مبدئية وأساسية في التعامل مع قضية المرأة وفي النظر إليها.
____________________
** المصدر: جزء من بحث “الجندر بما هو تحيّزٌ ثقافيٌّ غربيٌّ”، طلال عتريسي، مجلة استغراب، العدد 16، 30 يوليو 2019، بتصرف.


