الأسرة ملاذ الأفراد وحصن المجتمعات، عرفها الإنسان مع وجوده الأول على الأرض، بداية من أسرة أب البشرية آدم عليه السلام ثم مع جميع الأنبياء، وكل الفطر السليمة تقر أنها البناء الآمن الذي يحفظ استمرار البشرية وتوازنها.
ولكن مع ظهور النظرية النسوية في الغرب وتبنيها لأفكار الحركة الراديكالية، عرفت الأسرة تصدعًا كبيرًا نتج عن الأفكار الهادمة لقيم المرأة التي تنعكس مباشرة على الأسرة، إذ جيّشت هذه الحركة مجموعة كبيرة من المصطلحات لتحقيق أهدافها المرسومة. وللمصطلحات دور كبير في تغيير المجتمعات، إذ تعتبر الموجه الأساس للواقع، ومن ثم فإن ما أوجدته النظرية النسوية من كم هائل من المصطلحات كان له دور كبير في التغيرات التي حدثت وتحدث في المجتمع الإنساني، ذلك لأن المصطلحات هي الحامل الأول لمشاريع البناء أو الهدم.
وانتقلت الأفكار النسوية إلى العالم الإسلامي مع حركة النهضة في المشرق العربي، وعن طريق البعثات العلمية، ورواج المؤلفات النسوية الغربية، وعن طريق الإعلام. ومع تنامي صيحات العولمة، يريد الغرب فرض النموذج الغربي على العالم واعتباره الأمثل في مجال الأسرة والمرأة، كما هو الأمر في مجال الاقتصاد والسياسة وغيرهما، فظهر ما يسمى بعولمة قضايا المرأة وما تحمله من مصطلحات مشحونة بمفاهيم المجتمع الغربي. لذلك وجب الاهتمام بحقيقة المصطلحات النسوية الوافدة وفضح مضامينها المنافية للفطر السليمة، وإعادة إحياء المفاهيم البديلة عنها من خلال السيرة النبوية.
مصطلحات الفكر النسوي وخصائصها
تعتبر المصطلحات وليدة البيئة التي تنتجها، ومن التعريف الاصطلاحي للمصطلح يتبين ذلك، فهو كما عرفه الراغب الأصفهاني والكفوي وغيرهما: يفيد ما تجتمع عليه مجموعة من الناس1، وهو يخضع لتخصصهم وما يفرضه وضعهم وما يهدفون إليه.
وقد تميزت المصطلحات النسوية في عمومها بكونها تحمل ختم البيئة التي ولدت فيها. والمصطلح قد يكون أصيلاً، وقد يكون وافدًا، وقد يكون صلبًا، كالمصطلحات العلمية، وقد يكون رخوًا، أي قابلاً للشحن والتفريغ، والمصطلحات النسوية في عمومها وافدة، وتتميز بكونها رخوة، قابلة للتغيير والإضافة، أي أنها مفتوحة على الإضافات والمعاني الجديدة.
ومن المقولات التي شاعت بين الناس: مقولة لا مشاحة في الاصطلاح، والمشاحة هي المنازعة، وهي عبارة دارجة على لسان العلماء يقولونها في كل مرة وجد فيها التوافق بين المعنى مع الاختلاف في اللفظ والمبنى، ويعنون بذلك أنه لا منازعة ولا ضنة على اللفظ ما دام المعنى المراد واحدا2. ولكن الصحيح أنها في مجال المصطلحات النسوية تحتاج إلى ضبط ومراجعة وتقويم، والأحسن الإلغاء لكثير منها. يقول ابن القيم: والاصطلاحات لامشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة.3 والمصطلحات النسوية مضامينها فيها مفاسد كثيرة. وقد رأى علماء المسلمين أن المصطلحات إذا كانت تحمل معاني فاسدة، وتؤدي إلى معارضة الشريعة فالأولى تركها، ذلك لأن ميزان قبول المصطلحات موافقة معانيها للقرآن الكريم والسنة النبوية.
وتشكل المصطلحات الوافدة خطورة على المسلم، يقول أبو بكر زيد عن الذي يستبدل مصطلحات الشريعة بها: “فهو على خطر عظيم، ولا يبرر صنيعه حسن نيته، فليتق الله أقوام خذلوا أمتهم، أمة القرآن، تحت شعارات زائفة من التطور والحضارة، والرقي، والتقدم، والمرونة، ومراعاة روح العصر، ومسايرة الركب، وأن هذه أسماء، والأسماء لا تغير الحقائق، فهي قشور، والمقصود سلامة اللباب، إلى غير ذلك من شعارات التذويب، والتهالك، وما يزالون كذلك حتى يخرجون من اللباب كما خرجوا من القشور”.4
وللمصطلحات الغربية النسوية خطورة على المرأة والأسرة المسلمة، سواء كانت ترجمتها حرفية أو بالمعاني مثل: الحمل خارج الزواج، والأمن الجنسي، أو نقل للفظ بصيغته الأجنبية كالجندر، والبطريرك والكوتا وغيرها، وإشكاليتها ليست منحصرة في أزمة نقل أو ترجمة، بل تتجاوز الجانب اللغوي وتتعدى ذلك إلى المداليل والمفاهيم التي يحملها المصطلح تاريخيًا وفكريًا، وتتوزع قضيتها على مناهج واختصاصات متغايرة.5
استطاعت المصطلحات النسوية أن تغزو العالم الإسلامي مع غزوه الاستدماري، بل كان بعضها مبررًا للغزو مثل: ظلم المرأة وتحرير المرأة، واستطاعت أن تتوغل في المجتمعات الإسلامية مع الوجود الاستدماري، بل بعد رحيل المستدمر بقيت هذه المصطلحات جزءًا قويًا من الغزو الفكري.
ولحساسية موضوع المرأة والأسرة في تركيبة الدول والمجتمعات، نجد أن العاملين في هذا المجال لا يكلون من ابتداع المصطلحات، وتعتبر إشكالية نقل وترجمة المصطلح النسوي من الفكر الغربي من أكثر إشكاليات الفكر العربي المعاصر، حيث أن قضايا المرأة من أكثر حقول الاختلاف سخونة، ومن أشد ميادين الصراع الحضاري والثقافي، والحالة الغربية منتجة ومتدفقة في مجال المصطلحات، وليس بوسع الفكر الخروج بصيغة مفروزة العوالق الإيديولوجية والاجتماعية للمصطلحات النسوية.6
والذي ساعد على التمكين لها هو استطاعة النسويات اختراق الهيئات الدولية المسيطرة على العالم، وفي ذلك تقول: الأمريكية كاترين فورث أن المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والأسرة والسكان، تصاغ في وكالات ولجان تسيطرعليها (الأنثوية المتطرفة) و(أعداء الإنجاب والإسكان) و(الشاذون والشاذات جنسيا).7
السيرة النبوية كمرجعية بديلة
إن السيرة النبوية هي التطبيق العملي لما ورد في القرآن الكريم من أحكام تتعلق بالمرأة والأسرة، ويمكننا الجزم بأن ما يعيشه العالم في وقتنا هو ردة إلى الجاهلية، والجاهلية كما ذكر محمد قطب هي الابتعاد عن الحق، وهي لا ترتبط بزمان محدد، والجاهلية التي نعيشها أكثر شراسة، ذلك لأنها جاهلية مقننة مدروسة محروسة بالقوانين الدولية.
لقد كانت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ثورة على الظلم في جميع المجالات، بما في ذلك المجال الاجتماعي الذي تشكل المرأة والأسرة أهم مقوماته، فكان الاهتمام بالبناء الإنساني أهم ما ركزت عليه الدعوة الإسلامية، وخوطب الإنسان بالقرآن دون تفرقة بين الذكر والأنثى إلا فيما يتعلق بطبيعة كل واحد منهما.
وجسدت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ما ورد في القرآن الكريم من تعاليم، وكرمت المرأة ونفضت عنها ما أصابها من غبن قبل مجيء الإسلام، وكانت المرأة من أسباب نزول كثير من السور والآيات القرآنية، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إلى المرأة كإنسان فاعل في المجتمع، أحاطها بالحب والرعاية: أمًا وزوجة وبنتًا، وأختًا في الدين، وأوضح لها سبل الرشاد كي لا تتيه في حياتها.
المصطلحات النسوية وما يقابلها من الشرع والسيرة
وسأدرج هنا بعض المصطلحات النسوية وبدائلها في الشرع وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
** مصطلح تحرير المرأة يقابله تحرير الإنسان وتكريمه والتحرر من الجهل والهوى:
كان الانطلاق في الحركة النسوية من دعوى استعباد المرأة من قبل الرجل، وأصبح مفهوم التحرير يشمل: الحرية المفتوحة التي لا تخضع لضوابط الدين والأخلاق، كالحرية في اللباس، وحرية التصرف في الجسد… إلخ.
لقد نظر الإسلام إلى المرأة كعنصر فاعل في المجتمع، وأتى من أجل تحرير الإنسان من الهوى، وإخضاعه لأوامر الله بناء على ميثاق الأمانة الذي أخذه عليه {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} (الأحزاب: 72)، ووضع ضوابط لكل من الرجل والمرأة، وهذا قمة التكريم أن يعيش الإنسان عارفًا لحدود حريته، حافظًا لإنسانيته، ومن مظاهر تحرير الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة تعاليم القرآن التي أتى بها، والمخالفة لما كان سائدًا في الجاهلية، وتشجيع تعليم النساء، وقد كان يستقبل النساء للاستشارة في الأمور العلمية، واحتضن بيته أكبر عالمة في الدين في التاريخ الإسلامي، عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وتكريم المرأة باحترامه مكانتها ومنصبها الاجتماعي، وكان زواجه من أكبر تاجرة، ودعمها له في رسالته أكبر دليل على مشروعية عمل المرأة وإمكان اشتغالها بالتجارة بشرط العفاف.
** مصطلح المساواة يقابله التكامل والشراكة:
تقصد النظرية النسوية بالمساواة بالرجل المساواة المطلقة، دون مراعاة لطبيعة كل واحد منهما، وقد أدت المبالغة في المطالبة بالمساواة إلى معارضة الفطرة، بابتداع فلسفة الجندر التي تساوي بين الذكر والأنثى، وترى أن الفوارق بينهما يصنعها المجتمع، وحتى حين أنشئ فرع الأمم المتحدة المتعلق بالمرأة أطلق عليه: (هيئة الأمم المتحدة لمساواة الجندر وتمكين المرأة)، والمساواة الجندريةGender Equalit) ) يقصد بها تحقيق المساواة الكاملة في الحقوق والفرص والواجبات في مختلف مجالات الحياة، وهذا خلاف الواقع الذي يثبت أن الفرق بين الذكر والأنثى كالفرق بين الليل والنهار، ولكل وظيفته الخاصة. والقرآن الكريم أكد الفرق بين الذكر والأنثى، فورد قوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}، وتحدث عن التكامل بدل التماثل فقال: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} وقال: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، فالحياة الزوجية تقوم على ثنائية الذكر والأنثى لتحقيق التكامل وإلا ما الحكمة من خلق الزوجية {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}.
أما المساواة فهي في الجزاءات والعقوبات: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}( النحل :97). {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 71).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنما النساء شقائق الرجال”8، وفي حياته العملية كان صلى الله عليه وسلم يستأنس برأي المرأة، فعمل باقتراح خولة بنت حكيم، وهي زوجة عثمان بن مظعون، إذ رأت أن تحاول مساعدته صلى الله عليه وسلم وإخراجه من وحشته بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها، فقالت: يا رسول الله ألا تزوج؟ قال:”من”؟. واقترحت عليه، وأخذ برأيها، وينقل لنا هذا الموقف صورة المرأة الرسالية التي يلجأ إليها المجتمع في حل مشاكله، وسعيها لأمن إخوتها والأسر المسلمة، بمبادرتها لاقتراح الزواج على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تتهيب منه التدخل في أمر من أموره الخاصة. كما عمل برأي أم سلمة يوم الحديبية. ففي هذه المواقف تأكيد عن الشراكة في الرأي بعيدًا عن الصراع أو التبعية المطلقة.
كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشرك نساءه حضور الغزوات، تقول السيدة عائشة: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أنزل الحجاب”9، وكان عمل النساء في الغزوات الإطعام وسقيا الماء والتطبيب، فقد ذكرت كتب السيرة أن الصحابية رفيدة الأسلمية أسست أول خيمة طبية، وكانت تنفق على المرضى من مالها الخاص، وكانت تنقلها خلال الغزوات لمعالجة المصابين، وتذكر بعض الروايات مشاركة بعضهن في الجهاد، وقد بوّب البخاري في كتاب المغازي عدة أبواب عن قتال النساء، منها: باب غزو المرأة في البحر، وباب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه، وباب غزو النساء وقتالهن مع الرجال، وباب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو، وباب مداواة النساء الجرحى في الغزو، وباب رد النساء الجرحى والقتلى.
** مصطلح الأمومة الآمنة يقابله العفة والطهارة.
الصحة الإنجابية، الأمومة الآمنة، الجنس الآمن، والإجهاض الآمن، وغيرها من المصطلحات الكثيرة التي يبدو في ظاهرها العناية بصحة المرأة، لكنها في الباطن تحمل معاني تقويض الأسرة، وإباحة العلاقات المحرمة، وتشجيع القاصرات والقٌصّر على الزنى. فمن وجهة نظر هذه المصطلحات ليس المهم البناء الأسري بقدر أهمية الحفاظ على الصحة، ولا يهم إطار ممارسة العلاقات. ونلاحظ هنا التناقض بين منع الزواج المبكر والتشجيع على الجنس عند القصر.
وفي الإسلام يقابل ذلك العفة والأسرة الفطرية، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب إلى الزواج فقال: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء”10، وقال: “واحفظوا فروجكم وغُضُّوا أبصاركم”11، وغرس الإيمان في الشباب بوعد الجنة فقال: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاه”.12
واهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بصحة الأم وصحة الأبناء في حالات كثيرة، ومن مظاهر رحمته بالمرأة إشفاقه على الغامدية وابنها، وتريثه في إقامة الحد عليها، وإيجاد من يكفل وليدها، وكان يُقصر من الصلاة خشية على بكاء الطفل يريد ثدي أمه، قال صلى الله عليه وسلم: “إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه”.13
** التمييز ضد المرأة يقابله النساء شقائق الرجال والتفاضل بالتقوى:
يأتي هذا المصطلح ضمن مصطلحات متتالية للتوسع في مفهوم المساواة، والتعبير عنه بمصطلحات مفتوحة قابلة للاستزادة من الرغبات، والجديد في هذه المصطلحات الأخيرة اكتسابها الصبغة القانونية الملزمة للدول التي توقع على الاتفاقيات التي أقرتها، فلقد استخدمت اتفاقية (سيداو) مصطلح التمييز، تأكيدًا على دعاوى التفرقة بين الرجل والمرأة، وسعيًا لإلغاء الفوارق الفطرية بينهما، وهذا تقويض للمرأة والأسرة، تقول كاميليا حلمي: “فالهدف واضح من البداية، وهو إلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة داخل الأسرة من أجل إضعاف قيمة الزواج الشرعي من خلال التسوية بين الزوجة والزانية، وبين الأطفال الشرعيين وأبناء الزنى..”14.أما في الإسلام لا يوجد تمييز بين الرجل والمرأة، بل القرآن والسنة يقران المساواة بينهما في الحقوق والواجبات والاختلاف إنما فيما يتعلق بطبيعة كل واحد منهما {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 97).
** الأسرة النمطية والأشكال البديلة يقابله الأسرة النبوية:
تعتبر الحركات النسوية الأسرة التقليدية قالبًا جامدًا، وتدعو الأمم المتحدة في مؤتمراتها إلى أشكال جديدة للأسرة. أما السيرة النبوية فتتبني الأسرة القائمة على الزوجية، والتعدد في الحلال، القائمة على التكافل والرحمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.15
خـاتـمـة
الغرب الذي ظهرت فيه هذه المصطلحات التي تقوّض البناء الأسري، ظهرت فيه أصوات مناهضة لها لما نتج بفعلها من فساد، ومن هؤلاء: الأمريكية شارون سلاتر sharon slater، التي أسست رفقة زوجها منظمة (FMI) FAMILY WATCH INTERNATIONAL ، والتي ترجمت إلى العربية بــ: بالمراقبة الدولية للأسرة، ومن كتبها : Stand for the Family: A call to responsible citizens everywhere، والذي ترجم إلى العربية بـ: الوقوف من أجل الأسرة: دعوة إلى المواطنين المسؤولين في كل مكان، وآراؤها تدافع عن الأسرة التقليدية، والوقوف في وجه الآراء النسوية التي تتبنى الأسر ذات الأشكال الجديدة، وسلاتر تعارض التعليم الجنسي الشامل، وتصفه بأنه ترويج للإجهاض، والانحلال الجنسي، والدعوة إلى المثلية، واتهمت مناصري حقوق المثليين باستهدافهم تدمير الأطفال لغسل عقولهم بالأفكار الجندرية.
إن المصطلحات والمفاهيم النسوية امتدت في حياتنا بسبب فراغنا المعرفي وتسولنا للثقافة الغربية، ولن نستطيع الإفلات مما وصل إليه الغرب من تفسخ أخلاقي وفساد اجتماعي إذا استسلمنا لما يملى علينا ولم نتمسك بقيمنا وثوابتنا، ولم نجتهد في ترسيخها والتمكين لها.
السيرة النبوية ثراء لا ينبض بالقيم والمفاهيم البنّاءة، فعلينا أن نجعلها المؤثرة فينا وفي غيرنا، لكيلا نضعف أكثر مما نحن عليه وتذهب ريحنا. ففي السيرة النبوية بدائل أصيلة: العدل، والتكريم، والشراكة التكاملية. وتجربة النبي صلى الله عليه وسلم مع النساء منهج عملي أصيل متكامل لمعالجة قضايا المرأة والأسرة.
وفي الختام نوصي ببعض التوصيات على النحو التالي:
* تعزيز الدراسات الأكاديمية حول البدائل الشرعية للمفاهيم الوافدة، والتوظيف الدائم للسيرة النبوية في الخطاب الإعلامي والدعوي.
* إكمال الجهود التي بدأتها مجموعة من الباحثات الرساليات في تفكيك المصطلحات النسوية، مثل: كاميليا حلمي ونهى القاطرجي، اللتان تتبعتا هذه المصطلحات في الفكر النسوي والمواثيق الدولية، وأخرجتا ما فيها من خبايا تدميرية.
________________
** المصدر: موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، 2/10/2025، بتصرف يسير.
[1] علي بن محمد الجرجاني، التعريفات (بيروت: دار الكتب العلمية، 1403هـ/1983)، “الاصطلاح”، 28. وانظر: أيوب بن موسى الحسيني االكفوي، الكليات، تحقيق: عدنان درويش-محمد المصري (بيروت، مؤسسة الرسالة)، 129.
[2] أبو عبد الرحمان محمد الثاني بن عمر بن موسى، التقييد والإيضاح لقولهم لامشاحة في الاصطلاح، سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة، نشره: أبو مهند النجدي، مكتبة كتاب بيديا https://ketabpedia.com ، 08.
[3] أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين (دار عطاءات العلم، الرياض – دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1441/ 2019)، 4/ 230 .
[4] بكر بن عبد الله أبو زيد، فقه النوازل (مؤسسة الرسالة، ط1، 1416/ـ 1996)، 1/152.
[5] خالد بن عبد العزيز السيف، إشكالية المصطلح النسوي دراسة دلالية، مصطلح “المساواة ” “الحجاب”، “التمكين” أنموذجا (تكوين، 2016)،52.
[6] المرجع نفسه، 52.
[7] محمد عمارة، تحرير المرأة بين الغرب والإسلام (دار الكتب المصرية، 1430/2009)، 43.
[8] أخرجه أبو داوود في سننه، باب الرجل يجد البلة في منامه، رقم23 6، ج1، ص171
[9] أخرجه البخاري في صحيحه، باب تعديل النساء بعضهن بعضا، رقم 2661، 3/ 173 .
[10] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب، من لم يستطع الباءة فليصم رقم1905.
[11] أخرجه مسلم في صحيحه، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، رقم1400، 2/.1018.
[12] أخرجه البخاري في صحيحه، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، رقم14، 2/952 .
[13] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب ـالصلاة باب، من أخف الصلاة عند بكاء الصبي رقم 677.
[14] كاميليا حلمي، المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة بداية من تأسيس الأمم المتحدة1945 م وحتى مطلع عام 2029م (1441هـ/2020م )، 298.
[15] أخرجه الترمذي في سننه، باب في فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، رقم3895، 6/ 192.


