حاول كثير من أعداء الإسلام التشنيع على الدين الإسلامي من خلال آية القوامة، كدليل على التمييز ضد المرأة، ولعل مما يقال حول القوامة:
* أن الإسلام قد سلب المرأة حريتها وأهليتها وثقتها بنفسها، إذ جعل الرجل قوامًا عليها.
* أن القوامة تمثل بقايا من عهد استعباد المرأة وإذلالها، يوم أن كانت المرأة كمًا مهملاً في البيت، وفكرة مجهولة في المجتمع، وأمًا ذليلة مهينة للزوج.
* ليس من المستساغ، ولا من العدل أن ينفرد الرجل بالقوامة، ورياسة الأسرة من دون المرأة، وهي قد حطمت أغلال الرق والاستعباد، وتساوت مع الرجل في كل الحقوق والالتزامات. (1)
فروض تولي القوامة بين الزوجين
وللرد على هذه الشبهات والمغالطات، نرى أن نبسط القول في قوامة الرجل على المرأة في الشريعة الإسلامية، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} (النساء:34).
إن القوامة في الشريعة الإسلامية ما هي إلا آلية تنظيمية تفرضها ضرورة السير الآمن للأسرة المسلمة القائمة بين الرجل والمرأة، وما ينتج عنهما من نسل طيب، وما تستتبعه من تبعات.
وفي شأن القوامة ما بين الرجل والمرأة هناك فروض ثلاثة: فإما أن يكونا معًا قيمين، أو المرأة هي القيم، أو أن يكون الرجل هو القيم.
بالنسبة للفرض الأول، فإن وجود رئيسين للعمل الواحد يؤدي إلى التنازع والإفساد، لذلك سنستبعد هذا الفرض منذ البدء، قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الأنبياء:22).
أما عن الفرض الثاني (إعطاء المرأة القوامة ورئاسة الأسرة)، فإن المرأة -في غالب الأحوال- عاطفية انفعالية، تتغلب عاطفتها على عقلها في أي أزمة تمر بها أو بأحد أفراد أسرتها، والذي يدبر أموره وأمور غيره بالانفعال كثيرًا ما يحيد عن الطريق المستقيم، ويعرض نفسه وغيره لأزمات كان بالإمكان تخطيها وعدم الوقوع بها. والعاقل الذي لا يحكمه هواه يستبعد هذا الفرض الذي لا يصلح لقوامة ورياسة الأسرة.
وحيث إننا استبعدنا الفرض الأول والثاني لم يبق إلا الفرض الذي حكم به الإسلام (قوامة الرجل) لسببين:
الأول- أن الرجل بناء على طبيعته التي خلقه الله تعالى عليها يتمتع بقدرات جسمية وضبط لانفعاله أكبر بكثير -في الغالب- من المرأة، التي تكون عادة أقل حجمًا وقوة، وتتحكم بانفعالاتها وأفعالها العواطف الإيجابية والسلبية أكثر من حكمة العقل.
الثاني- الإسلام فرض على الزوج الإنفاق على أسرته بالمعروف، كما كلفه بدفع المهر وغيره من الالتزامات والواجبات، وليس من العدالة والإنصاف في شيء أن يكلف الإنسان بالإنفاق على أسرته دون أن يكون له حق القوامة والإشراف والتربية.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذين السببين الرئيسيين لاختيار الإسلام الرجل للقوامة في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} (النساء:34).
قوامة شورى وتفاهم
والإسلام إذا جعل القوامة للرجل على المرأة، لم يشرع استبداد الرجل بالمرأة ولا بإدارة الأسرة، ولم يرد أن تكون تلك القوامة سيف مسلط على المرأة، وإنما شرع القوامة القائمة على الشورى، والتعاون، والتفاهم، والتعاطف المستمر بين الزوج وزوجته.
قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء:19).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ” (رواه الترمذي).
وقال صلى الله عليه وسلم: “إنَّ من أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا وألطفُهم بأهله” (رواه الترمذي).
وقال صلى الله عليه وسلم: “أَلَا واسْتَوْصُوا بالنساءِ خيرًا، فإنما هُنَّ عَوَانٌ عندَكم” (رواه الترمذي).
ولا يمكننا أن ننسى قول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “رُوَيْدَكَ بالقَوَارِيرِ” (رواه البخاري).
ضوابط القوامة
إن القوامة في الشريعة الإسلامية لها مدى تقف عنده وتنتهي إليه، فهي لا تمتد إلى حرية الدين والمعتقد، فليس للزوج أن يكره زوجته على تغيير دينها إذا كانت كتابية، ولا أن يجبرها على اتباع مذهب معين أو اجتهاد محدد من الاجتهادات الفقهية.
كما لا تمتد القوامة إلى حرية المرأة في أموالها الخاصة، ولا في المساواة بينها والرجل في الحقوق التي أراد الله فيها المساواة، وليس لها طاعته إذا ارتكب معصية، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا طاعةَ لأحَدٍ في معصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ” (رواه الطبري).
فإذا كانت قوامة الرجل لا تمتد إلى الحقوق الأساسية للإنسان، فما الذي يخيف دعاة ما يسمى بتحرير المرأة في قوامة الرجل؟ فماذا يريدون للمرأة أفضل وأكرم من تلك المكانة المرموقة التي بوأها الإسلام إياها، إن كانوا حقًا ينشدون خيرًا للمرأة كما يزعمون؟
الحقيقة أنهم لا يريدون ذلك بل يريدون تحطيم ذلك الحصن المنيع للمرأة المسلمة المتمثل (في قوامة الرجل)، الذي جعله الإسلام قلعة لحماية المرأة من عاديات الزمان وتقلباته.
ذلك أن موضوع تشريع الحقوق والواجبات لو أوكل إلى الإنسان لشرع من الحقوق ما لا يناسبه، وقد يأتي تشريعه تسلطًا على الآخرين، هذا من جانب، ومن جانب آخر لا توجد الضمانات التي تحمل الآخرين على قبول رأيه وتشريعه للحقوق، وهو إنسان مثلهم، وخاصة مثل هذه التشريعات قد تأتي وسيلة للتحكم واستغلال الآخرين.
أما عندما تكون من عند الله تعالى، يتساوى أمامها الجميع، وتبرأ من الشهوة والهوى، وتحقق الاستقرار، وتنسخ فكرة أن يتخذ الناس بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، إلى جانب ما يمتاز به الحق الذي شرعه الله ومنحه من القدسية ما يترتب عليه من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة.
___________________
** المصدر: موقع صيد الفوائد.
(1) شبهات حول الاسلام، محمد قطب، دار الشروق، بيروت، ص 121. وانظر أيضًا: قوامة الرجل على المرأة، موقع: is lamunveileol .


